صاحب الفضيلة/ ………. القاضي بالدائرة ………. بالمحكمة ………. بمحافظة ………. حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,
الموضوع: لائحة اعتراضية على الحكم الصادر برقم ………. وتاريخ ……….
الإشـــــــارة: الدعوى رقم ………. وتاريخ ………. ، المقامة من ………. ضدي أنا ……….
منطوق الحكم
(واستنادا إلي ما جاء في الدعوي والإجابة وبناء علي ما قرره الطرفان وبناء علي أن الشهادة المعتبرة هي شهادة رجلين عدلين وبما أن الشهادة غير موصلة في موضوع الدعوي إلا أنها مورثة للتهمة القوية في حق المدعي عليه لذا فلم تثبت لدي إدانة المدعي عليه بما نسب إليه في الدعوي من قيامه بالاجتماع مع آخر لغرض فعل الفاحشة به إلا أن التهمة متوجهة في حقه وقد ورد عن جمع من أهل العلم التعزير علي التهمة لذا فقد قررت الحكم بما يلي : يسجن المدعي عليه ………. مدة شهرين يحتسب منهما ما أمضاه موقوفا علي ذمة هذه القضية ويجلد خمسين جلدة مقررة عليه مرتين لقاء توجه التهمة عليه بما نسب إليه في الدعوي ويؤخذ عليه التعهد بلزوم طريق الاستقامة والبعد عن المحرمات ومواطن الشبهات ثانيا : قررت تأجيل النظر في الدعوي المرفوعة علي المدعي عليه ………. داياندانت لحين إحضاره عن طريق الجهة المختصة استنادا للمادة (140) من نظام المرافعات الشرعية وبذلك حكمت) إ.هـ
أسباب الحكم
1- الدعوى والإجابة.
2- ما قرره الطرفان.
3- الشهادة المعتبرة هي شهادة رجلين عدلين.
4- الشهادة غير موصلة في موضوع الدعوي.
5- الشهادة مورثة للتهمة القوية في حق المدعي عليه.
6- ما ورد عن جمع من أهل العلم بالتعزير على التهمة.
أسباب الاعتراض على الحكم
أولا) أن تأسيس الحكم محل الاعتراض عليه، علي الشبهة أو التهمة مع عدم ثبوت الإدانة في الأحكام التعزيرية، مخالف لقواعد الإجراءات الجزائية وبعض أقوال أهل العلم في هذا الشأن:-
حيث أنه بالإطلاع على صك الحكم محل الاعتراض عليه، نجد أن فضيلة القاضي مُصدر الحكم قد قرر في حيثياته عدم ثبوت إدانتي وقرر تبعا لذلك رد دعوى المدعي العام، إلا أن فضيلته – بالرغم من ذلك – قد قام بالحكم عليّ بعقوبة تعزيرية بناء على توافر الشبهة أو القرينة في حق – حسبما جاء في صك الحكم – وهذا أمر مخالف لقواعد الإجراءات الجزائية وبعض أقوال أهل العلم في هذا الشأن.
حيث نص أهل العلم، على أن ما قعد عن كونه بينة في باب التعزير – أي لم يصل إلى درجة اليقين أو غلبة الظن فهي شبهة لا يسوغ القضاء بها، ومن ذلك ما ورد في كتاب المغني لأبن قدامه (93/8) عن حديثه عن القضاء بالنكول في باب العقوبات حيث قال: (ولا يجوز أن يقضي فيه بالنكول الذي هو في نفسه شبهة لا يقضي به في شيء من الحدود ولا العقوبات، ما عدا الأموال ……….)إ.هـ ، وحيث أن الشك لا يفسر إلا لصالح المتهم, فإن ذلك مؤداه عدم ثبوت الجزاء طالما لم تثبت الإدانة، حيث أن الشبهة وإن كانت قوية لا تقوم محل اليقين، الذي يتمثل هنا في عدم ثبوت الإدانة.
كما قال ابن القيم أيضا في كتابه (الطرق الحكمية) ما يلي (العقوبة لا تسوغ إلا عند تحقق السبب الموجب ولا تسوغ بالشبهة بل سقوطها بالشبهة أقرب إلى قواعد الشريعة من ثبوتها بالشبهة)أ.هـ
وجاء في المادة الثالثة من نظام الإجراءات الجزائية على أنه (لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلا بعد ثبوت إدانته في أمر محظور شرعا ونظاما)أ.هـ
وفي ضوء ما تقدم فإن (التهمة القوية) التي تقوم في أساسها العام على غلبة الظن يجب أن يكون على غلبة الظن ما يؤيدها، حتى يتم توقيع العقاب، حيث أن الأصل في الإنسان البراءة، ولا شك في أن تقرير مبدأ الحكم بالشبهة, فإن ذلك سيؤدي إلى النظر إلى كل إنسان بنظرة الاتهام ما لم يُثبت هو العكس, فيصبح الأصل في الإنسان هو الاتهام, وفي ذلك مخالفة واضحة لمقتضى ما نصت عليه القاعدة الشرعية من أن “الأصل براءة الذمة”إ.هـ وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لتوجيه الاتهامات للناس وتوقيع عقوبات عليها دون ضابط أو معيار محدد لهذه الشبهة.
ثانيا) أنه على فرض جواز التعزير مع الشبهة، فإن ضابط (ثبوت التعزير مع الشبهة أو التهمة) موقوف على الشبهات والقرائن القوية المؤكدة لا القرائن أو الأمارات المحتملة:-
وفي هذا الصدد، فإنني أود أن أتناوله لفضيلتكم بمزيد من التوضيح وفقا لما يلي:-
1- أن القرائن القوية وحدها هي التي يجوز ثبوت التعزير بموجبها:-
فكما هو معلوم لدى فضيلتكم فإن القرائن لا يخلو حالها أو وصفها من ثلاثة أمور، فإما أن تكون قرائن قوية أو أن تكون قرائن ضعيفة أو بين هذه وتلك، فإن كانت القرائن قوية فعندئذ فإنها تكون مُوجبة للأخذ بها والُحكم بمقتضاها بموجِب التعزير، أما إن كانت تلك القرائن ضعيفة فهي ولا شك أجدر بأن يُلتفت عنها، أما إن كانت القرائن متوسطة الحال بين القوية والضعيفة، فعندئذ فقد رسم الفقهاء طريقا للتعامل مع تلك القرائن وهو الاستظهار فإن لم يؤد هذا الاستظهار إلى شيء، فعندئذ يتم اعتبار القرينة المتوسطة هي والعدم سواء.
وتقسيم القرائن لهذه الأنواع الثلاثة قال به كثيرا من الفقهاء، ومن ذلك ما ورد في كتاب (الطرق الحُكمية 178) لابن القيم رحمه الله حيث ورد فيه قوله (والمعول في ذلك على القرائن، فإن قُويت حُكم بموجبها وإن ضَعُفت لم يُلتفت إليها، وإن توسطت: طلب الاستظهار، وسلك طريق الاحتياط) إ.هـ وطريق الاحتياط يُقصد به اعتبار البينة المُتوسطة كالمعدومة وذلك مصداقا لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) فقد استدل ابن السُبكي بهذه الآية الكريمة على الاحتياط وذلك في كتابه (الأشباه والنظائر 1/110) حيث قال فيه (فلا يُخفى أنه أمر – أي الله تعالى في هذه الآية الكريمة – باجتناب بعض ما ليس بإثم خشية من الوقوع فيما هو إثم، وذلك هو الاحتياط)إ.هـ.
وهذا المبدأ المذكور أعلاه – أن التعزير بالشبهة موقوف على القرائن المؤكدة التي ترقى حد اليقين دون غيرها – قد أقرته أيضا مجلة الأحكام العدلية في مادتها رقم (1740) حيث عدت فيها القرينة القاطعة أحد أسباب الحكم، ثم عرفت مفهوم (القرينة القاطعة) في المادة رقم (1741) حيث جاء تعريفها كما يلي (هي الأمارة البالغة حد اليقين) إ.هـ.
2- أن القرائن الضعيفة أو الأمارات المحتملة لا يثبت بموجبها التعزير بالشبهة:-
فلا يخفى على علم فضيلتكم أن الأمارة المحتملة لا تعدوا أن تكون مُجرد قرائن ضعيفة، لا يُبنى على مثلها حُكم وإلا لكان الأصل في الناس الاتهام وليس البراءة، ولذهب المعروف بين الناس تحرزا من عواقب بذله، ولقطّع المرء صلاته حذرا من أن تكون الصلة سبب بلاء، ولا شك أن هذا ليس أبدا هو مقصود الشارع، فالاسترسال مع القرائن الضعيفة يُوقع حتما في الظلم وتجريم البريء، يقول ابن القيم في كتابه (الطرق الحُكمية) عن القرائن ما يلي (إن توسع فيها وجعل معوله عليها، دون الأوضاع الشرعية، وقع في أنواع من الظلم والفساد) إ.هـ
وقال أيضا في موضع آخر ما يلي: (الحبس عقوبة، والعقوبة إنما تسوغ بعد تحقق سببها، وهي من جنس الحدود، فلا يجوز إيقاعها بالشبهة، بل يتثبت الحاكم) إ.هـ
كما ورد أيضا عن العز بن عبد السلام رحمه الله في كتابه (قواعد الأحكام 2/32) ما يلي (الأصل براءة ذمته – أي المُسلم – من الحقوق، وبراءة جسده من القصاص والحدود والتعزيرات) إ.هـ
فإن كان هذا – براءة الإنسان – هو الأصل فلا شك أن هذا الأصل لا يُنتقل عنه بقرائن ضعيفة أو واهية ولا يُقدم ظاهر متوهم أو ضعيف عليه، فاليقين لا يزول بالشك.
فقد يقول قائل إذا: أليس هناك تعارض بين الأمرين، فتارة يثبت العلماء التعزير بالشبهة وتارة أخرى ينفون التعزيز بالشبهة؟ وفي الحقيقة فإنه لا يوجد أي تعارض بين الأمرين، فالنصوص التي تنفي ثبوت العقوبة بالشبهة محمولة على الشبهة التي هي في مرتبة الشك أو الأمارات الضعيفة مقابل أصل البراءة المُفترض في الإنسان، فلا يجوز حينئذ العمل بالشبهة ولا تقوى على دفع أصل البراءة.
أما النصوص التي تثبتها محمولة على الشبهة التي هي في مرتبة الشك مُقابل ظن غالب في قيام مُوجب التعزير، فيجوز حينئذ إطراح الشبهة ويُعمل بالظن الغالب المُوجب للتعزير.
ثالثا) أن القرائن التي استند عليها فضيلة القاضي في توقيع العقوبة عليّ، قرائن ضعيفة ولا تعدوا كونها أمارات محتملة يتوجب الالتفات عنها وعدم الأخذ بها لإثبات التعزير وفقا لما ذكره الفقهاء وقمت بتوضيحه أعلاه:-
وفقا لما هو ثابت في صك الحكم، فإنه يتضح لنا أن فضيلة القاضي مُصدر الحكم، قد اعتمد على قرينة واحدة تكمن في (شهادة الشهود) وتحديدا (شهادة الشاهد الأول) ولا شك أن تلك القرينة في غاية الضعف الأمر الذي كان يتوجب معه الالتفات عنها وعدم الأخذ بمقتضاها في الحكم عليّ وذلك استنادا لما ورد في الآراء الشرعية التي استندت إليها أعلاه، وأود أن أوضح لفضيلتكم أوجه ضعف تلك القرينة، وهي كما يلي:-
1- أن الشاهد الثاني الذي اعتمد فضيلة القاضي مُصدر الحكم على شهادته، قد أدلى بشهادته بعد الإطلاع على محضر الضبط المُقدم من قبل “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر” بل وقراءته قراءة متأنية:-
حيث أن صك الحكم محل الاعتراض عليه قد ورد فيه – وتحديدا في السطر رقم (17) من الصفحة رقم (3) – ما يلي (………. وبسؤاله عن الشهادة التي يريد أداءها شهد قائلا بعد أن تم إطلاعه على المحضر المُعد من قبل الهيئة ما دون في هذا المحضر صحيح ……….) إ.هـ، الأمر الذي يطرح تساؤلا هاما وغريبا في آن واحد، وهو كيف يمكن إطلاع الشاهد على مضمون ما سيشهد به ومن ثم سؤاله عن شهادته؟! فالمفترض أن يتم سؤاله عن شهادته ومن ثم مقارنتها بما ورد في المحضر، لا أن يتم اطلاعه على مضمون المحضر ومن ثم سؤاله عن صحة ما ورد فيه من عدمه، لأنه ومن دون شك لن يُكذب ما جاء في المحضر، فالمحضر تم إعداده من قبل جهة عمله، كما أنه كان – حسبما يزعم – أحد المشاركين في القبض عليّ، فهل سيكذب نفسه ويجر على نفسه وزملاؤه وجهة عمله بلاء رجوعي عليه بطلب التعويض لكيدية دعواه، فجاءت شهادته مُتفقة تماما وكُليا مع ما ورد بالمحضر وكأنه كان يقرأ نص المحضر – وهو ما سأعمل على بيانه والرد عليه أدناه – ولا شك أن قواعد العدالة التي لطالما نادت بها شريعتنا السمحاء كانت تقتضي أن يتم سؤال الشاهد عن شهادته أولا ومن ثم أن يقوم فضيلة القاضي مُصدر الحكم بمقارنتها بما ورد في المحضر وبيان مدى وجود تناقض وتضاد بينهما من عدمه، وحيث أن ذلك لم يتم، فإن ذلك مؤداه هو بطلان هذه الشهادة وعدم حجيتها واعتبارها كأن لم تكن.
2- أن مضمون شهادة الشاهد قد جاء مُتفقا تماما وكليا مع ما ورد بمحضر التحقيق، الأمر الذي يقيم القرينة القوية على عدم صحة تلك الشهادة ووجوب الالتفات عنها:-
حيث أن شهادة الشاهد – الذي استند عليها فضيلة القاضي مُصدر الحكم واعتبرها فضيلته قرينة قوية تُقيم الشبهة بحقي – قد جاءت مُتفقة تماما وكُليا مع ما ورد في المحضر، كما أن بها من التفصيل الكثير والدقيق، مما لا يتفق مع كون الواقعة قد حدثت قبل ثلاث سنوات مضت، وأود تناول ذلك في بنود منفصلة كما يلي:-
3- تذكر الشاهد لتاريخ الواقعة بشكل دقيق، حيث ورد في شهادته (صفحة 3 سطر 18) ما يلي (أننا في يوم الأربعاء ………. وردتنا معلومات عن قيام أحد الأشخاص الشاذين من الجنسية الفلبينية بالتعرض للشباب لممارسة الفاحشة في حي العزيزية ……….) إ.هـ، ويتضح من خلال ذلك أن الشاهد – وبالرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على تلك الواقعة – إلا أنه لا يزال يتذكر اليوم والتاريخ بشكل مُحدد، كما لا يزال يتذكر محل الواقعة وجنسية الشاب الآخر الذي تم اتهامي – زورا وبهتانا – بارتكاب الشذوذ معه والعياذ بالله، فكل ذلك بلا شك لا يمكن لإنسان أن يتذكره بعد مرور تلك السنوات الطويلة لا سيّما شخص مثل الشاهد، حيث يتعرض يوميا لكثير من الأمور المخالفة للشرع بعكس من يتعرض لهذا الموقف بشكل عارض فقد يظل عالقا في ذهنه لفترة من الوقت، أما الشاهد فإن النسيان لمثله هو الأمر المعتاد وليس التذكر بكل هذا الكم من التفصيل.
4- تذكر الشاهد لموعد الواقعة ومحل إقامتي بشكل دقيق، حيث ورد في شهادته (صفحة 3 سطر 20) ما يلي (………. وقام بالركوب مع أحد الأشخاص العزاب ودخل شقته الواقعة بحي العزيزية خلف بن داود في تمام الساعة الثالثة والنصف صباحا ……….) إ.هـ، وهو أمر – لا يختلف عن سابقه – في إثارته للتعجب والاستغراب من تذكر الشاهد لموعد حدوث تلك الواقعة ومن تذكره أيضا لمحل إقامتي بهذا الشكل المُحدد الذي لا يتناسب مُطلقا مع تاريخ حدوث تلك الواقعة ومع طبيعة عمل الشاهد الذي تجبره على التعرض لهذه المواقف يوميا مما يصبح معه النسيان هو الأمر الطبيعي لمثله كما أسلفت.
5- تذكر الشاهد للمضبوطات التي أسفر عنها تفتيشهم لي وللشخص الفلبيني بشكل دقيق، حيث ورد في شهادته المضبوطة في صك الحكم (صفحة رقم 4 سطر رقم 2) ما يلي (ووجدنا معه – أي الشخص الفلبيني – إقامة تخصه وجوال من نوع أيفون بشريحته يحمل الرقم التسلسلي (……….) كما تم القبض على الرجل السعودي – يقصدني – ووجدنا معه هوية وطنية وجوال يحمل الرقم التسلسلي (……….) إ.هـ، ولا شك أن هذا النص لا يحتاج لشرح أو توضيح من قبلي، ففضيلتكم ولا شك تتعجبون مثلي من قدره الشاهد على تذكر نوع الهواتف المحمولة التي كانت بحوزتنا على سبيل التحديد، وكذلك أرقامها التسلسلية الطويلة بهذه الدقة!! وكأنه يقرأ من ورقة مكتوبة، لا الإدلاء بشهادته من واقع ما جادت به ذاكرته عليه.
6- تذكر الشاهد لأرقام مذكرة الإحالة وتاريخ إحالتنا بشكل دقيق، حيث ورد في شهادة الشاهد المضبوطة نصا في صك الحكم (الصفحة رقم 4 السطر رقم 6) ما يلي (………. وعليه تم إحالتهما إلى مركز شرطة ………. بموجب مذكرتنا رقم ………. في ……….) إ.هـ، وهو ما يطرح بموجبه ذات التساؤل، كيف لا يزال الشاهد مُتذكرا لكل هذه الأمور على هذا النحو من الدقة، دون أن تعيقه مرور السنون الطوال عن نسيان أرقام المذكرات أو تواريخ الوقائع أو حتى وقت حدوث الوقائع بالساعات، وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن شهادة الشاهد لا يصح أن يطلق عليها لفظة شهادة بالأساس، وإنما هي ترديد لما يقرأ، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعله مُتذكرا لكل هذه الوقائع بهذا النحو من التفصيل الدقيق الذي امتد حتى ليذكر الأرقام التسلسلية الطويلة للهواتف الجوالة دون خطأ!
7- عدم جواز قبول شهادة الشاهد شرعا:-
فمن المستقر عليه فقها، هو أن شهادة الأخصام على بعضهم لا تُقبل، كما أن شهادة من ستجلب عليه شهادته نفعا أو ستدفع عنه ضرا لا تُقبل أيضا، وذلك إعمالا لما نص عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه (لا تقبل شهادة ظنين، ولا خصم) إ.هـ، وهو ما يتوفر في تلك الحالة التي نحن بصددها، فالشاهد خصما لي لكونه يعمل لدى الجهة التي تولت القبض عليّ، وشهادته قطعا ستجلب له نفعا وستدفع عنه ضررا، إذ أن في براءتي ضررا لهم يتمثل في عدم مصداقية إجراءاتهم بحقي وبالتالي إمكانية رجوعي عليهم بالتعويض، الأمر الذي يتوجب معه عدم الأخذ بشهادة الشاهد، علما بأنها – على فرض الأخذ بها – فإنها مليئة بالقرائن القوية التي تؤكد عدم مصداقية ما ورد فيها وأنه لا ينطبق عليه لفظة شهادة بمعناها المعروف شرعا ونظاما، وإنما كانت عبارة عن ترديد لكلام مكتوب، مما يتوجب معه عدم الأخذ بها أو الالتفات إليها.
8- أن الشاهد المذكور لم يكن حاضرا بالأساس ضمن أفراد الفرقة التي استوقفتني في الشارع برفقة الشخص الفلبيني وتولت القبض عليّ، وقد واجهته بذلك فعلا، وذكرت أمام فضيلة القاضي، أن هذا الشاهد لم يكن حاضرا ضمن أفراد الفرقة، وقد رد علي الشاهد بنفي ذلك مؤكدا أنه كان حاضرا ضمن أفراد الفرقة، وكان نص رده المضبوط في صك الحكم (صفحة رقم 4 سطر رقم 8) كما يلي (بل كنت معهم وكنا أربعة أو خمسة أشخاص) إ.هــ، وهو ما يدعو للتعجب والاستغراب، إذ كيف لهذا الشاهد أن يتذكر تاريخ توقيع القبض علي ووقت القبض علي ومحل سكني بل والأرقام التسلسلية الطويلة لهواتفنا الجوالة بمثل هذه الدقة التي لا مثيل لها، ثم لا يتذكر على وجه الدقة كم عدد الأفراد الذين رافقوه – حسب زعمه – أثناء القبض عليّ، فيذكر أنهم كانوا خمسة أو ستة!!
فمن المفترض أنه – أي الشاهد – يملك ذاكرة حديدية خارقة مكنته من تذكر كل هذه الأمور السابقة على وجه من الدقة التي لا مثيل لها، فلم إذا لم يتذكر عدد أفراد الفرقة التي رافقته على وجه التحديد؟ والإجابة على هذا التساؤل هي أنه لم يكن حاضرا ضمن هذه الفرقة التي تولت القبض عليّ، وأن ما ورد على لسانه من شهادة لم يكن سوى ترديد لمضمون ما ورد في المحضر وهذا أمر لا شك فيه، وعندما حدث أن واجهته بعدم وجوده ضمن أفراد الفرقة، ارتجل حينها في الإجابة فجاءت إجابته بهذا الشكل (كنا أربعة أو خمسة) ولم يذكر عدد الأفراد على وجه الدقة، أضف إلى ذلك أن الشاهد لم يقم – قبل الإدلاء بشهادته – بأداء اليمين على صحة شهادته.
رابعا: كيدية الاتهام والتلفيق:
حيث أن لائحة الإدعاء العام قد ورد فيها ما يلي (وردت معلومات عن قيام شخص شاذ جنسيا فلبيني الجنسية بالتعرض للشباب العزاب لممارسة فاحشه اللواط بحي العزيزية وأن المعلومات قد كدت قيامه بالركوب مع احد الأشخاص العزاب ودخول شقته الواقعة بحي العزيزية في تمام الساعة الثالثة والنصف صباحا، وعليه تم الانتقال من قبل الفرقة القابضة للموقع وبعد نصف ساعة خرج الرجل المخبر عنه وبرفقته رجل فلبيني تظهر عليه علامات الشذوذ وعند مشاهدتهما للفرقة حاول الرجل الفلبيني الهرب فتم القبض عليه) إ.هـ
ومن خلال ما سبق، فإنه يتضح لنا أنه كان يتوفر بحقي إحدى حالات التلبس المنصوص عليها نظاما، وفقا لما ورد في المادة رقم (30) من نظام الإجراءات الجزائية والتي نصت على ما يلب (تكون الجريمة متلبساً بها حال ارتكابها، أو عقب ارتكابها بوقت قريب. وتعد الجريمة متلبساً بها إذا تبع المجني عليه شخصاً، أو تبعته العامة مع الصياح إثر وقوعها، أو إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها بوقت قريب حاملاً آلات، أو أسلحة، أو أمتعة ، أو أدوات، أو أشياء أخرى, يستدل منها على أنه فاعل أو شريك فيها، أو إذا وجدت به في هذا الوقت آثار أو علامات تفيد ذلك) إ.هـ، وكذلك وفقا لما نصت عليه المادة رقم (31) من ذات النظام والتي نصت على ما يلي (يجب على رجل الضبط الجنائي – في حال التلبس بالجريمة – أن ينتقل فوراً إلى مكان وقوعها ويعاين آثارها المادية ويحافظ عليها، ويثبت حال الأماكن والأشخاص، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة، وأن يسمع أقوال من كان حاضراً، أو من يمكن الحصول منه على معلومات في شأن الواقعة ومرتكبها. ويجب عليه أن يبلغ هيئة التحقيق والادعاء العام فوراً بانتقاله) .
لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة الآن هو: إذا كان يتوافر بحقي إحدى حالات التلبس – حسب زعم المُدعي بالحق العام بموجب ما ورد في لائحته – فلم لم يتم القبض عليّ أثناء حاله التلبس، ونحن بصدد حاله تلبس واضحة كما يدعى رجال الهيئة، لا سيّما وأنهم ذكروا أنهم ظلوا قرابة النصف ساعة خارج شقتي بانتظار خروجي برفقة الشاب الفلبيني، ألم يكن من الأولى لهم ضبطي مُتلبسا بارتكاب ذلك الجُرم، فلا شك أن هذا كان سيكون له بالغ الأثر في إثبات الاتهام عليّ، ولن يكون بمقدوري حينها الإنكار، إلا أن ذلك لم يتم، والسبب في ذلك بسيط جدا، وهو أنه لم يحدث أي شيء مما ذكر في هذا المحضر، ولم نحاول الهرب من أعضاء الهيئة، كما أنهم لم يكونوا منتظريننا بالخارج لحين خروجنا، بل قابلناهم على الطريق العام عند قيامي بتوصيل الشاب الفلبيني لوجهته.
خامسا: مخالفة الحكم لنصوص نظام المرافعات الشرعية:-
حيث أن الحكم محل الاعتراض عليه قد جاء مخالفا لمقتضى ما نصت عليه المادة رقم (3) من نظام المرافعات الشرعية والتي نصت على انه (لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص، إلا بعد ثبوت إدانته بأمر محظور شرعاً أو نظاماً بعد محاكمة تُجرى وفقاً للمقتضى الشرعي) إ.هـ، كما أن القول بأن الحكم عليّ قد تم بموجب الشبهة التي يثبت بها التعزير، فإن ذلك مردود عليه بالقول أن الشبهة التي أقر الفقهاء إمكانية ثبوت التعزير بموجبها، هي الشبهة القوية التي ترقى حد اليقين، وليست الشبهة الضعيفة أو الأمارات المحتملة، إذ أن الاستناد إليها – الشبهة الضعيفة والأمارات المحتملة – يُصيب المبدأ القائل أن “الأصل في الإنسان البراءة” في مقتل، وفي حالتنا تلك، فإن الشبهة التي تم الاستناد إليها هي شبهة بلغ بها الضعف مبلغه، إذ أنها عبارة عن شهادة لشاهد واحد، تم الرد عليها وإيضاح أوجه ضعفها وعدم جواز الأخذ بها ووجوب الالتفات عنها، بشكل تفصيلي أعلاه.
سادسا) أنه على فرض صحة ذلك الحكم، وهو ما لا أُقر به مُطلقا وأُصر على عدم توافر شروط الحكم بثبوت الشبهة، فإن هذا الحكم قد تجاوز الحكم للحد الأقصى لعقوبة التعزير:-
حيث أنه قد ورد عن أبو بردة الأنصاري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى) كما ورد في كشاف القناع (ولا يزاد في التعزير على عشرة أسواط إلا ما ورد في واطئ أمة زوجته في حالة إحلالها له فيجلد مائة جلدة تعزيراً) إ.هـ، وقال ابن حزم رحمه الله تعالى في كتابه “المحلي 13/482” ما يلي (وقالت طائفة أكثر التعزير عشرة أسواط فأقل لا يجوز أن يتجاوز به أكثر من ذلك وهو قول الليث بن سعد وقول أصحابنا) إ.هـ
إلا أن الحكم قد قضى بعقابي أكثر من ذلك، حيث قضى بمعاقبتي بجلدي خمسين جلدة مُقررة عليّ لمرتين، هذا مع افتراض قيام الشبهة بحقي، وهو ما لا أقر به البتة، ويشهد الله أنني بريء من تلك التهمة براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، أما بخصوص تلك الشبهة فقد تناولتها أعلاه بما يتضح معه ضعفها وعدم جواز التعويل عليها للحكم بتعزيري كما أوضحت أن التعزير بالشبهة موقوف على قوتها لترقى حد اليقين وليس مجرد شبهة ضعيفة كتلك التي بُني عليها هذا الحكم.
سابعا: عدم جواز الاعتداد بالإقرارات التي تم نسبتها إلي أمام الفرقة القابضة كونها لا تعد من قبيل الإقرارات القضائية وبالتالي لا يجوز التعويل عليها:-
وفي هذا الصدد فإنني أُشير إلى ما اعتمد عليه المُدعي بالحق العام في لائحة دعواه، وهو زعمه بقيامي بالإقرار بما نُسب إليّ، وهو ما لم يحدث مطلقا، وبالرغم من عدم استناد الحكم على هذا السبب، إلا أنه يهمني أن أوُضح أنني لم أُقر بارتكابي لهذا الفعل مُطلقا، إذ أن تسليمي بذلك بمثابة سُبة على جبيني وهو ما لا أرضى على نفسي التسليم به، حيث أنني قد أنكرت الواقعة أثناء التحقيق كما هو ثابت أمام عدلكم الكريم، كما أن فضيلتكم تعلمون أن الإقرارات ليست لها حجيتها إلا إذا كانت قضائية أي صادرة أمام مجلس القضاء وأثناء السير في الدعوى وفقا لما نصت عليه المادة رقم (108) من نظام المرافعات الشرعية، والتي نصت على ما يلي (إقرار الخصم – عند الاستجواب أو دون استجوابه – حجة قاصرة عليه، ويجب أن يكون الإقرار حاصلاً أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بالواقعة المقر بها) إ.هـ، كما نصت الفقرة رقم (2) من اللائحة التنفيذية لذات المادة على أنه (المقصود بالإقرار هنا هو الإقرار القضائي وهو ما يحصل أمام الدائرة أثناء السير فيها، مُتعلقا بالواقعة المُقر بها) إ.هـ.
ثامنا: أن سبب تواجد الرجل الفلبيني برفقتي كان لعمل مساج وليس لارتكاب هذا الفعل الذي هو كبيرة من الكبائر:-
حيث أنني – كما ذكرت سابقا في مذكرة الرد – قد قابلت هذا الرجل الفلبيني عند عودتي إلى المنزل بعد انتهائي من تمارين المشي اليومية، حيث لاحظت وجود سيارة متعطلة – نظرا لكون غطاء السيارة الأمامي “الكبوت” مفتوح – وبجانبها رجل يلوح لي بيديه للوقوف، فظننت أنه يريد توصيل بطارية سيارته بسيارتي لتشغيلها، إلا أنه طلب مني – بعد الوقوف له – أن أقوم بتوصيله في طريقي، فلم أمانع وقمت بإركابه، وعندما تجاذبنا أطراف الحديث أثناء الطريق عرفت منه أنه يعمل خارج الدوام بالمساج والتدليك لكي يعينه ذلك على توفير نفقات معيشته إلى جانب راتبه، فقلت له أنني أعاني من ألم أسفل ظهري وسألته إن كان بإمكانه عمل المساج لي، فوافق على ذلك، فذهبنا إلى المنزل وعندما طلب مني خلع بنطالي أنكرت عليه ذلك وأخبرته أنني لا أرى ضرورة لذلك، فذكر لي بعض الكلام التي استنتجت منها ميوله – والتي والله لم أتبينها قبل اللحظة – وعندها اعتذرت له بلطف عن بدء جلسة المساج بداعي أنني متعب وأرغب في النوم وطلبت منه الخروج لتوصيله إلى وجهته، وفي الطريق وبعد ركوبنا للسيارة والتحرك بها فعلا، تم توقيفي من قبل أعضاء الهيئة ولم أكن أدري السبب في ذلك إلى أن تبين لي لاحقا.
مما سبق يتضح لفضيلتكم أنني لم أكن أعرف أي شيء عن شذوذ هذا الرجل، بل إنني طلبت منه المغادرة فور ما أحسست بذلك، كما يتضح لفضيلتكم أيضا أنني قد قُبض علي في الشارع بعد ركوبي للسيارة ولم يُقبض علي بالمنزل أو فور الخروج منه كما ورد في المحضر.
لذا، ومن كل ما سبق أعلاه، فإنه يتضح لفضيلتكم أن إباحة الفقهاء للحكم بثبوت الشبهة مُقيد بكون هذه الشبهة قوية بما يكفي إلى أن ترقي لحد اليقين، وقد أوردت لفضيلتكم بعضا من النصوص الشرعية التي دلت على هذا الأمر، أما الشبهة الضعيفة، فهي لا ينبغي أن يُلقى لها بالا ولا يُعاقب إنسان بالاستناد عليها لا سيّما وأن الأصل براءة الذمة، وفي الأخذ بالشبهة الضعيفة أثر في ذهاب المعروف بين الناس تحرزا من عواقب بذله، وحسا للمرء على قطع صلاته حذرا من أن تكون الصلة سبب بلاء، فلن يقف صاحب سيارة لمن يلوح له بيديه أبدا خوفا من أن يكون هذا الرجل مُتهم بشيء فيتورط معه في ذات التهمة بشبهة ضعيفة، ولرفض المرء أن يُبقي الأمانة لديه خوفا من أن تكون مسروقة فيُتهم بسرقتها أو إخفاء المسروقات، وعلى ذلك نقيس آلاف الأمثلة، التي تتعارض مع مبدأ الأصل براءة الذمة التي أرسته شريعتنا السمحاء والتي لا يُتنازل عنه إلا ببينة أو تهمة قوية ترقى إلى حد اليقين، وليس بمجرد شبهة ضعيفة حد العدم، وقد أوردت لفضيلتكم بعضا من النصوص الشرعية التي دلت على وجوب الالتفات عن مثل تلك التهمة الضعيفة لكونها معدومة، كما تناولت بالتوضيح أوجه ضعف تلك الشبهة التي استند عليها فضيلة القاضي مُصدر الحكم في إصدار هذا الحكم محل الاعتراض عليه، وهو ما يتوجب معه – بإذن الله – الالتفات عنها ووجوب نقض هذا الحكم وإعادة نظر الدعوى والحكم ببراءتي مما نُسب إليّ زورا.
المطلوب:-
تكرم فضيلتكم بالإطلاع والقضاء بنقض الحكم محل الاعتراض عليه وإلغاء كافة العقوبات الواردة به والقضاء مجدداً ببراءتي.
وفضيلتكم أهل للعمل بقول عمر رضي الله عنه إلى أبي مُوسى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ” أَمَّا بَعْدُ لا يَمْنَعْكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ بِالأَمْسِ رَاجَعْتَ الْحَقَّ ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ ، لا يُبْطِلُ الْحَقَّ شَيْءٌ
وفقكم الله وسدد على دروب الخير خطاكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المُدعى عليه أصالة/……….